( برلمان إبليس ) على لسان إبليس
ذكر فيها أن الشيطان وزملاء إبليس وأعوانه اجتمعوا في مجلس شورى ، وتباحثوا في سير العالم وأخطار الغد وفتنة ، وما يتوجسون من خيفة على نظامهم الإبليسي ومهمتهم الشيطانية ، فتذكروا في فتن وأخطار قد أحدقت بهم وهددت نظامهم ، وجللوا خطبها وتناذروا شرها ،
فذكروا أحدهم الجمهورية وحسب لها حساباً كبيراً
فقال الثاني : لا يهولنك أمرها فإنها ليست إلا غطاء للملوكية ، ونحن الذين كسونا الملوكية اللباس الجمهوري ، إذا رأينا الإنسان بدأ يتنبه ويفيق ويشعر بكرامته ، وخفنا ثورة على نظامنا قد لا تحمد عاقبتها ، فألهيناه بلعبة الجمهورية ، وليس الشأن في الأمير والملك .
أما رأيت نظام الغرب الجمهوري وجه مشرق وضاح وباطنه أظلم من باطن جنكيز خان ؟ .
فقال الآخر : لا بأس إذا بقيت روح الملوكية ، ولكن ماذا يقول النائب المحترم في هذه الفتنة الدهماء التي أثارها هذا اليهودي الذي يدعى كارل ماركس ذلك الباقعة الذي ليس نبياً ولكنه يحمل عند أتباعه كتاباً مقدساً ، هل عندك نبأ أنه أقام العالم وأقعده ، وأثار العبيد على السادة حتى تزعزعت مباني الإمارة والسيادة ؟ .
فقال الآخر مخاطباً رئيس المجلس : يا صاحب الفخامة ، إن سحرة أوربا وإن كانوا مريديك المخلصين ولكني لم أعد أثق بفراستهم ، ها هو السامري اليهودي الذي هو نسخة من مزدك ( الزعيم الفارسي الاشتراكي ) قد كاد يأتي على العالم بقواعده فاستنسر البغاث ، وأصبح الصعاليك يزحمون الملوك بالمناكب ويدفعونهم بالراح ( أعلام أرض جعلت بطائحاً ) إنا قد استهنا بخطب هذه الحركة الاشتراكية وها هي قد استفحلت نفاقم شرها ، وها هي الأرض ترجف بهول فتنة الغد ، سيدي إن العالم الذي كنت تحكمه سينقض عليك ، إذا ينقلب النظام العالم ظهراً لبطن . فتكلم رئيس المجلس ( أبليس ) وقال : إني أملك زمام العالم وأتصرف به كيف أشاء ، وسيرى العالم عجباً إذا حرشت بين الأمم الأوربية فتهارشت تهارش الكلاب ، وافترس بعضها بعضاً فعل الذئاب ، وإذا همست في آذان القادة السياسيين وأساقف الكنائس الروحانيين فقدوا رشدهم وجن جنونهم .
أما ما ذكرتم عن الاشتراكية فكونوا على ثقة أن الخرق الذي أحدثته الفطر بين الإنسان و الإنسان لايرفؤه المنطق المزدكي (الفلسفة الاشتراكية) لا يخوفني هؤلاء الاشتراكيون الطرداء والصعاليك السفهاء .
إن كنت خائفاً فإني أخاف أمة لا تزال شرارة الحياة والطموح كامنة في رمادها ,ولا يزال فيها رجال تتجافى جنوبهم عن المضاجع وتسيل دموعهم على خدودهم سحراً ، لا يخفى على الخبير المتفرس أن الإسلام هو فتنة الغد وداهية المستقبل ، ليست الاشتراكية . أنا لا أجهل أن هذه الأمة قد اتخذت القرآن مهجوراً ، وأنها فتنت بالمال وشغفت بجمعه وادخاره كغيرها من الأمم ، أنا خبير أن ليل الشرق داج مكفهر ، وأن علماء الإسلام وشيوخه ليست عندهم تلك اليد البيضاء التي تشرق لها الظلمات ويضيء لها العالم ، ولكن أخاف أن قوارع هذا العصر وهزته ستقض مضجعها وتوقظ هذه الأمة وتوجهه إلى شريعة ( محمد صلى الله عليه وسلم ) أنى أحذركم وأنذركم من دين ( محمد صلى الله عليه وسلم ) حامي الذمار ، حارس الذمم والأعراض ، دين الكرامة والشرف ، دين الأمانة والعفاف ، دين المروءة والبطولة ، دين الكفاح والجهاد ، يلغي كل نوع من أنواع الرق ، ويمحو كل أثر من آثار استعباد الإنسان ، لا يفرق بين مالك ومملوك ، ولا يؤثر سلطاناً على صعلوك، يزكي المال من كل دنس ورجس ويجعله نقياً صافياً ، ويجعل أصحاب الثروة والملاك متسخلفين في أموالهم(253) أمناء لله وكلاء على المال . وأي ثورة أعظم وأي انقلاب أشد خطراً مما أحدثه هذا الدين في عالم الفكر والعمل يوم صرخ أن الأرض لله لا للملوك والسلاطين . فابذلوا جهدكم أن يظل هذا الدين متوارياً عن أعين الناس ، وليهنكم أن المسلم بنفسه هو ضعيف الثقة بربه قليل الإيمان بدينه ، فخير لنا أن يبقى مشتغلاً بمسائل علم الكلام والإلهيات وتأويل كتاب الله والآيات ، اضربوا على آذان المسلم فإنه يستطيع أن يكسر طلاسم العالم ويبطل سحرنا بأذانه وتكبيره ، واجتهدوا أن يطول ليله ويبطئ سحره ، اشتغلوا يا إخواني عن الجد والعمل حتى يخسر الرهان في العالم . خير لنا أن يبقى المسلم عبداً لغيره ، ويهجر هذا العالم ويعتزله ويتنازل عنه لغيره زاهداً فيه ، واستخفافاً لخطره ، يا ويلتنا ويا شقوتنا لو انتبهت هذه الأمة التي يعزم عليها دينها أن تراقب العالم وتعسّه .
(253) { َأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } . ( الحديد )