هُو العلمُ حقّاً ، في نُفوسٍ نَيِّرَةٍ ،وأذهانٍ مُقمِرةٍ ،وقُلوبٍ
مُبصِرةٍ ، هَداها الحقٌّ الى الطريق .. فانسَلختْ منْ جهلِهــا ،
وتجرَّدتْ منْ مكامِنِ عتْمِها ..فاستبدلتِ الظلمَةَ نوراً ،واليأسَ
حُبوراً،بعد أنْ دلَّتِ الدَّربَ الذي كانتْ تترسّمَهُ ، وتبحثُ عنه.
وهأنتَ يا صاحبَ العِلـمِ .. فقد عرفـتَ طريقَـكَ المنشودَ،
ودرجتَ عليْهِ ، وجاوَزْتَ خطواتِكَ الأولى مُيَمِّماً صوْبَ الأفُقِ
البَعيد ، الذي يحمِلُ كُلَّ آمالِكَ وتطلُّعاتِكَ التي حَلُمتَ بها طفلاً
يافِعاً مُتَوَثِّبـاً .. تَتَتالى صُورُ مستقبلكَ المَوعودِ .. وتتلاحـَــقُ
خَيالاتُ ذهنِـكَ التي لمْ تَنِ عن تجسيدِها ، والاستمْساكِ بهـــا،
حقيقةً واقِعةً ، كما تُريـد .. فشَرعتَ تنهلُ البِداياتِ المُباركــةَ
من مدرسَتِكَ الأولى ، التي أمدَّتْكَ بنسغِها المِدرارِ ، ودَمِهــــا
الدّفوق ،الذي أعانَكَ على المُتابعةِ الجادّةِ للمَراحِلِ التاليةِ في
سيْركَ الحثيـثِ ، وعزمكَ الرَّهيفِ ، وَصبـركَ الذي لا ينفَــدُ ،
وجَلَدِكَ الذي لا يَكِلّ..فقطعتَ أشواطاً هامَّةً منَ العِلم،ومَحطّاتٍ
رئيسَةً كنتَ تتطلعُ اليها ، وتصْبو الى تحقيقِها ، وانْ بدتْ لكَ
أحياناً أنها صعبَةُ النّوالِ ،بعيدةُ المَنال،الاّ أنكَ ثابرتَ وتَحدَّيْتَ
كُل صعب..فتجاوزتَ العقَباتِ ، وقهرتَ المُستحيل ، فكان ذلكَ
في النِّهايَةِ ما أردتَّ.. نجاحاتٍ تتْرى،وتفوُّقاتٍ منقطعةِ النظير،
شَهدَ لكَ بها المُعلِّمونَ والأساتذةُ الكِبارُ في الجامعةِ الأردنيَّةِ ،
التي مَنَحتكَ،بجَدارةٍ ،شهادتَي "البكالوريوس" و"الماجستير"
مُغلَّفتيْنِ بالفخرِ ومَراتِبِ الشَّـرف .. ثمَّ "الماجستير" الثانـــي
و"الدُّكتوراة" من جامعةِ"كنساس" الأميركية ، التي كرَّمتْــكَ
وفخرَتْ بكَ طالِباً جادّاً ذكِيّاً مُتميِّزاً..ومنْ طُلاّبِها القلائِلِ الذينَ
وصَلوا الى القِمَّةِ السّامِقةِ ، والهَرَمِ الشّامِخ ، في الجامعــــة،
فطوّقتكَ بالتوصِياتِ الحقّةِ المكتوبةِ ، التي تشهَدُ بأنكَ نجـمٌ لا
يأفَلُ ضوؤُهُ ، وشِـهابٌ لا يقصُـرُ مَداه .
أمّا نحنُ ..ومَنْ عَرَفكَ منَ الصّحبِ والقَرابَةِ ،ومنْ تلاميــذِكَ
ومُعلِّميكَ،ومنَ الأجيالِ التي خرَّجتَها ،والأساتذةِ الذين زاملتَهُـمْ
في مَراحِلِ تدريسِكَ الجامِعيِّ،في شتى البلدانِ العربيّةِ والأجنبيَّةِ،
فنهْدي لكَ فخرَنا واعتِزازَنا بجُهدِكَ الموصول ،وصبْركَ الطويل،
ونُباركُ لكَ ما زرعتَ وحصدتَّ ، وما أنتجتَ منْ مؤلَّفاتٍ كثيرةٍ،
وأبحاثٍ جمّةٍ ، وما حصلتَ عليهِ منْ ثقةٍ ومكانةٍ وتقديـر.
فاهنأ حَبيبَنا أ.د جودت..فلا زلتَ أنتَ العالِمَ السّامي،والمُعلِّمَ
الباني ، والقدوةَ الدّالَّةَ ، والمرجعَ الموْثوق .