الحلقة التاسعة -- " قرْوَة ُ العُرْس..واطعامُ الناس ِفي القرْية "

[ابراهيم سعاده]

// ذِكْرَياتٌ منْ ديرأبــانْ - 9 //
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابراهيم ســعاده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرياتٌ ملفـّعة ٌ بلهيبِ الشـّوْقِ ، وحرارة الحبّ والحنين .. تدفعُنا للحديثِ عنْ " ديرْأبــان "..
وحياةِ أهلِ "ديرْأبان".. وانْ كانَ الحديثُ عنهـا يَطول.. ولا أخالُ أنْ ينتهي سَـيْلُ الذكريـــــــــاتِ
وتدفقُهـا في حَلقـات .. لأنّ عشْـقَنا ل"ديرْأبان" ، حَقاً ، ليسَ لهُ نهايةٌ، ولا حُدود .. عِشْـقاً تأصّـلَ
في الدّم ِ والعُـروق .. وسَكَنَ في العُقول وفي القُلـوب .. نَعيشُ معَهـا في جِراحِها ، وآلامِهــــــا ،
وأحزانِهـا .. لا نُفارقُها أبداً ، ولا تُفارقُنا .. حتّى في نوْمِنا ، وهُجوعِنا ، وأحلامِنا .. وهذا مـــــا
يفرضُـهُ الوطنُ علينا .. ألاّ نُفارقَهُ ، ولا ننْساهُ.. بانتمائِنا لهُ ، والتِصاقِنا به .. والاّ فقد انتَفى الأصْلُ
وضاعَتِ الهويّـة ُ .. وتُهْنـا بينَ الشّعوب .. لا يُعـْرَفُ لنا أصْـلٌ ، ولا قـرار .

اذنْ ، فلـْنُتابع الذّكريات ِعنْ "ديرْأبان" ، ما اسْتَطعنا .. وبما حَفِظنا ، ورأينا ، وسَمِعنا.. وبما
هدانا اللـّهُ اليْه.. مُتوخّينَ بأذنِ الرّحيمِ الرّحمنِ ، الدّقـة َ، والصّدقَ ، والواقِع .. الذي لايرْقى اليْــــهِ
الشّكُّ والتوجّسُ والتحسّبُ ، انْ شــاءَ الله .

ونْبدأ بعدَ بسْـم اللـّهِ ، لنُكمِلَ مراحِلَ أعراسِ أهلِ "ديرْأبان".. اذ قدْ انتهيْنا في الحلقةِ السّــابقةِ
بوصْفِ ما كانتْ عليهِ تلكَ السّـهراتُ ، في ذلك الزّمان .. منْ "دبْكةٍ" و "سـَحجَةٍ".. وما كانَ يقالُ
فيها ما يُشبهُ الشـعرَ الشّعبيّ ، مُناظرة ً، في حَلقاتِ "السّامر" .. وما كانَ يَسودُها منْ مَظاهر الحُبِّ
والودّ والتآلفِ والتعاضُدِ والمُسـاعدة.. وما يُخيّمُ عليْها منْ أجواءِ البَسـاطةِ ، وعدَمِ التّكلّفِ ..والتي
غالباً ما تدومُ لأكثرَ منْ ثلاثِ ليالٍ مُقمِـراتٍ.. لينتقلَ أصحابُ العرْسِ الى مرحلةِ أخرى ، رّبمــــا
كانتِ المَرحَلةِ قبلَ الأخيـرَةِ.. وما يُسَمّى ب " القـرْوَة " .

و"القـرْوة ُ"، عبارة ٌ عنْ طعام العُرْسِ ، المكوّنِ منَ اللّحمِ و"الجْريشَة" ، يهيّأ لاطعام النّاسِ
قبلَ الزفاف .. فصاحبُ العرْس ِعليْهِ أنْ " يُوُلمَ" بعِجلٍ ، أو عِجليْن ، أو جَمَـلٍ سَمين .. بما كانَ
يُسَـمّى ب "الحـْوار" ، اذ يُشبهُ الى حدٍ بعيدٍ بالعِجلِ ، منْ حيْثُ الحجمُ واللحـمُ ..أو يَجيءُ بعــــــدةِ
رُؤوس ٍ منَ الخِـرافِ أو الماعِــز .

وتبدأ عَمَليّة اعْدادِ الوَليمةِ قبلَ يومِ الزّفـاف .. حيثُ تُجلبُ الذّبيحة ُ أو الذّبائحُ.. وتُنحَرُ ، وتُسْلخُ
وتُقطـّعُ .. وتوضعُ في قُدورٍ كبيرةٍ.." الدْسُـوتْ " ومُفردُها " دِسْـتْ "..وتُعلـقُ على "مَواقِدَ" واسعةٍ
من النّار .. ويُبدأ بالطبْخِ بعدَ حُلولِ الليْلِ مُباشـَرة ً.. وتستمُّر حتّى الصّباح .. ويقومُ عليها نخبــــة ٌ
منْ شَـبابِ العائلةِ والجيرانِ والأقارب .. يُوقِدونَ النارَ ب "قَرامي" الزّيْتونِ والأشجار الجافــة ..
ويُتابعونَ مَراحِلَ نُضْج اللّحـم .. في الوقتِ الذي لاينسَوْنَ أنفُسَهُم فيه.. يَشْوونَ اللحمَ ويأكُلــــــونَ،
ويَمْزَحونَ ، ويتندّرونَ.. فالليلُ طويل.. والمُهِمّة ُ شَاقّة.. تَحتاجُ الى سَـهَر ٍ، وعمَل ٍ، وانتِظـار ..
وهناكَ على الجانبِ الآخر "دسُوتُ" الجَريشَةِ يُشْرفونَ على طبْخِهـا ، كما هو اللّحم .

وأذكرُ في هذا المَقام ، عُرسَ أخي الأكبرَ ، رحِمَـهُ اللهُ .. اذ اشْتَرى والدي ، رحمَةُ اللهِ عليهِ ،
" حواراً" ضَخماً سَميناً ، بخمسةٍ وأربعينَ جُنيهاً فلسْطينياً آنذاك .. من اللحّام" أبو هاشم الياسُوري"
في القريَة .. الذي قامَ على ذبْحهِ وتهيئته للطبْخ.. يُرافقهُ طبخُ الجَريشَة .. بكُلّ مَراحِلِها .. وكمــــا
شـَرحنا آنفـاً .

وعندَ ظهيرةِ اليوْمِ التّالي .. وقد تمّتْ عمَلية ُ الطبْخ.. تُجْمَعُ " البَواطي" الخشَبْ .. مُفردُها "باطيَة".. منَ الأهْلِ والأقاربِ والجيرانِ ، وحتّى منْ أهْلِ البَلد .. لِتُسْكبَ فيها "الجَريشَة"،
بعدَأنْ " تـُنـَقـّطَ " بالسّمْن البَلدي .. أيْ يُدارَ عليها السّمْنُ بالكمّيةِ المُتعارفِ عليْها .. ثم يُوضعُ فوقها اللحمُ .. ليحمِلهــا
عَشَـراتُ الّنسْوةِ على رُؤوسِهِنّ الى "السّاحة".. أيْ مَضافةِ المُختار حَسن أبو هَدْبَة ، رحِمَهُ اللهُ تعالى .. وسط الزّغاريد و " الهَاهاوي ".. وكلّ مَظاهـِـرِ الفرَحِ والبَهْجَـــة .. وهنــــــــــاكَ
يكونُ الناسُ قد اجتَمَعوا للغَداء .. هذا بالأضَافةِ الى اطْعام مَنْ همْ في بيْتِ العُرسِ والجيران ، وكلّ منْ حَضَـر .. ثمّ يُوَزّعُ ما تبَقّى منْ كميّاتٍ كبيرةٍ من الطّعامِ على بُيوت ٍ كثيرةٍ منْ
بُيوتاتِ أهل القريـة.. بكلّ فرحٍ وتَرحيبٍ .. ودونَ أيِّ مَلامةٍ أو انتِقــاد .

"آهٍ على باطيةِ جريشَة" .. منْ قمْح جْبوليا أو العَريضَةِ أو سَهْلِ السّدْرَة .. القمْحِ الذّهَبِيّ النّقِي
الأصيل .. يكسوها السمنُ واللحمُ البلـديّ ، منْ قطعان أهل ديرأبان .

والى الحلقةِ القادمَـةِ .. نُكْمِلُ .. بِما يَتْبَعُها ، انْ شـاءَ الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.

[نزار دعسان الديرأباني]

بارك الله فيك يا عم إبراهيم

على هذا الوصف الجميل والدقيق لما كان يحدث في حبيبتنا ديرأبان وأشكرك ايضا على عنايتك بتلوين المصطلحات فهذا يثبتها في الأذهان فجزاك الله عنا خير الجزاء

فسنقرأ ما كتبت, وسيقرأ اولادنا ما كتبت وسيقرأ بإذن الله احفادنا واحفاد احفادنا ما كتبت

وننتظر الزفة بفارغ الصبر لنعيش عرسا من اعراس ديرأبان وحتما سأجد اخي عامر واخي غريب عند السحجة وقد جمعا لنا ابياتا جديدة

110110110

[عامر زاهر الكسابره]

بارك الله فيك يا عم ابراهيم
على ما تمتعنا به من ماضي لولا امثالك يا عم ما عرفنا جزء منه
امتعتنا يا عم
وآه إضافة الى آهاتك على باطية الجريش بالسمن واللحم من قطعاننا
الله يجمعنا عليها في ديرابان نحن واياك والأخوان
ادامك الله يا عم وأمد لنا في عمرك
شكرنا لك لايوافيه كلام ولا مديح
جزاك الله عنا كل الخير
110

[ابراهيم سعاده]

أشــكرُكَ جزيل الشـكر ، يا ابنَ أخي عامـر ،
على مروركَ الطيّــب .. ومتابعتكَ الذكريــات،
وقراءتهـا ، وتذوّقهـا.. تذوّق الشهم الأصيل،
الذي يحْرصُ ،دوْماً، على التعرّفِ على وطنهِ،
ومسـتقرّ آبائهِ وأجداده ..
باركَ اللهُ فيكَ .. ابناً باراً..مؤمناً..مخلصاً..
صالحــــاً .. وأكثرَ اللهُ منْ أمثالك .

[ابراهيم سعاده]

تحيّتي لكَ وشـكري ، يا ابنَ أخي نزار ، علـى
مروركَ الكريم.. ومتابعتكَ الدّؤوب ، لما يسّـــــرَ
اللـّهُ لنا منْ ذكرياتٍ عن (ديرْأبان) الحبيبة.. فكمْ
هيَ جميلة ٌفي الذهْنِ ، عزيزة ٌفي النفـــس ..تلكَ
التي رأيْناها بالعيْـنِ ..وسمعناها بالأذنِ ِ، مـــــنْ
أكابرنا ، رحمهمُ الله .. فسـقيا لتلكَ الأيام ، التي
احتوتـْها الذكريات..الأيام التي عشناها هنــــــاكَ،
والتي تحسبُ حقاً منْ أعمارنا..لما فيها منْ حلاوةِ
العيْشِ.. وجميــل المذاق .

آهٍ على (ديرْأبان).. فقدْ سـطا عليها الأفاكــــونَ
السفاحونَ المجرمون..فجاسوها ، وأفسدوا فيهـا ،
فهلْ تعـود ؟؟.. وأجيب : نعمْ ، انْ شاء اللهُ،القادر
القاهر.. ف ( لا بدّ لليْل أنْ ينجلـــــــــــــــــــي
ولا بدّ للقيدِ أنْ ينكســــــــــــــر )

وانجلاءُ الليْل في آخرهِ.. ويطلعُ الفجرُ..وتشرقُ
الشمسُ..ويقطرُ الغيْثُ.. وتخضرُّ الأرْضُ.. وتورقُ
الأشجارُ.. وتزدهي السهولُ .. وتغتسلُ الجبـــــــال..
ونتنفسُ الصّـعداءَ..ونستنشقُ الهواءَ الطلقَ النقي..
ونشـربُ الماءَ العذبَ الزّلال .

اننا لنْ نقنط َ منْ رحمةِ اللـّهِ.. ولنْ نستسلـــــــمَ
للهواجس والظنــون.. ولنْ نرْكنَ الى سفهائنـــــــا
الذينَ أضلـونا السـبيلا .

باركَ اللهُ فيكَ وعليْكَ .. وسلامٌ عليْكَ في الأولينَ
والآخريــــــن .

[أمل الوطن]

لا زلت اعيش بين احرفك وكلماتك وذكرياتك فيها يا عم
ولا زلت هنا انتظر كل جديد لك فيها
واتمنى ان تسرد لنا من ضمن ذكرياتك فيها رحلة الالم والتشرد واللجوء كي نعيشها كلمات كما عشتموها واقعا
العم ابراهيم
حفظك الله وبارك لك في شهرك
وكل عام وانت بألف خير

[ابراهيم سعاده]

أحييّـكِ يا ابنة َ أخي أمل الوطــن .. وِأشـْـكرُكِ شــكرَ من اعتـزّ بأخلاصــكِ ،

وصدقـكِ وانتمائــكِ ، لوطنـــكِ الصغير ( ديرْأبان ) .. ووطنكِ الأكبــر(فلسطيـن)،

فحقاً ، والله ، أنتِ وأمثالكِ أملُ هذا الوطـنِ ورجاهُ ، ودرْعـهُ ، ومستقبلــُـــــه..

الوطـن الذي ينتظــرُ منْ أبنائــهِ العوْنَ والتضحيــة َ والفــداء.. لفكاكهِ منْ أسـر

الجبنــاء المجرمينَ .. لقطـاء الكـوْنِ ، وضلاّلــهِ ومفسِــديه .

وكلّ التحايا لكِ أيتهـا الأديبة ُ الفاضلـة .. على متابعتكِ الحثيثة ِ لما نكتـب..

فمنكِ ومثلكِ نأخذ الدرْسَ والعبـرة .. ونسـتلهمُ العوْنَ والرّشـــاد .. وسأعمــــلُ

بأذنِ اللـهِ العليّ القديـر ، على تلبيةِ مطلبـك.. في كتابة ذكرياتِ أيام الرحيـــل ..

أيام الألــم والتشـرّدِ واللجوءِ والعـذاب .. ما اسـتطعنا .. وما يسّــرهُ اللــــــــــهُ

لنــــا ، في الحلقـات القادمـــة .

أشــكركِ .. وباركَ اللهُ فيكِ .. وأثابكِ .. وأحســنَ اليْــــــك .

[نزار دعسان الديرأباني]

الحلقة التاسعة -- " قرْوَة ُ العُرْس..واطعامُ الناس ِفي القرْية "

[ابراهيم سعاده]

أحسنتَ ، أحسنَ اللهُ اليكَ ، وباركَ
فيك .. مع كل الشكر والتقدير والعرفان .